جلست العجوز، الساحرة لبيضاء؛ كما يناديها حفيدها ، حيث يكلل الشعر الابيض رأسها ، و أسنانها المتساقطة يجعلها أقرب لجنيات الكرتون ، كانت تضحك حين يمتطي حفيدا أحمد حصانه الخشبي ويقول لها تعالي يا ساحرة و اجعليني أطير في السماء بحصاني هذا ، كانت تحتار في طلباته الكثيرة الغريبة تلك ، و تشعر بألم يعتصرها من سلبية ابنها من تصرفات الحفيد المزعج حين أجبرها علي حمله فوق رأسها و تصدر أصواتا شريرة مثل الساحرات ، رفضت في باديء الأمر فظل يبكي بحرقة و هنا تدخل ابنها قائلا : لا تغضبيه يا أمي انه حفيدك ، و خرج لعمله تاركا أمه تنوء بحمل حفيدها و تصدر أصوات أنين يحسبها صوت الساحرة فيضحك ، آلمها ظهرها حتي ناءت بحمله وقالت له متوسلة : تيته تعبانة .. اركب حصانك الخشبي . احمر وجهه و هم بالبكاء ، جاءت أمه تصدر أمرا لحماتها : يهون عليك بكاء حفيدك .. أنت قاسية .
قالت : ظهري يؤلمني ، لم أعد قادرة علي حمله. ظلت زوجة ابنها تنفخ في الهواء غيظا مما جعل السيدة العجوز ترضخ لحفيدها ليركبها وهي تقول لنفسها : حملت ابني حتي كبر و أصبحت مسنة و بدلا من أن يحملني أحمل ابنه! خرجت العجوز من الشقة متسللة للشارع مبتعدة قدر صحتها عن بيت ابنها ، ورغم انها لا تعرف الشوارع من بعض .. شعرت قطعة من القش جرفها تيار الحياة الهادر .. استسلمت له لا تلوي علي شيء .. تنظر في وجوه الناس بحثا عن وجه مألوف دون جدوي .. لا تعرف كم مشت ولكن قدماها تؤلمها جلست علي الرصيف بصعوبة و ألم المفاصل يعاودها بشدة ، تكتم صراخا فتسقط قطرات من عينيها تبلل جبينها ، تمسحها سريعا بكمها ، تنظر حولها مذعورة متسائلة : أنا فين.
شعرت بالرعب من فكرة انها باتت في قبضة المجهول ، أسيرة الضياع وسط بشر تتسابق من اجل الوصول الي مكان ما . يحتكون ببعض دون التفات و كأنهم تعودوا علي ذلك ، بدا الزحام مزعجا لها شعرت انها عارية أمام بعض الوجوه المحملقة فيها ، دقات قلبها تكاد تعصف بصدرها و أنفاسها تتلاحق .. شعرت بدوار و الناس تتحول لاشباح تسير في خطوط متقاطعة .. ثم اختفي كل شيء .. وبقي صوت حفيدها وهو يردد الساحرة الشريرة و ابنه و زوجته يضحكان بصوت تهز وجدانها .. أسبلت عينيها و ابتسامة مرسوم علي شفتيها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق