يا الهي
انها أمي تصرخ من الألم و لا أملك شيئا يخفف عنها ، الكسر أصاب المفصل .. لم تعد
قادرة علي الحركة و صراخها من الألم يملا فضاء الحجرة بل ينفذ من الجدران و يشق
قلب السماء ، كم تمنيت أن أتحول لقدم بديلة .. أن تستحيل دعواتنا لجبيرة تلملم
عظامها .. ضعفاء نحن و منسحقون تماما حين نعجز عن الحركة .. ستون عاما من الحركة و
الجهد و الدوران في ساقية الحياة تنجب و تربي و تشهق حين تري أحد فلذات كبدها سارح
او بوجه عابس .. تضرب علي صدرها وتلح : مالك .. قولي مالك مين مزعلك .. متعملش في
نفسك كده.. الخ
كانت مواظبة
علي الصلاة و قراءة القرءان لا تتركه أبدا تفتح قناة المجد و تقرأ خلفها في مصحفها
الكبير .. كنت أذكرها حين كنا نتعارك في حب حين تأتي الساعة السادسة مساء موعد
المسلسل العربي علي القناة الثانية و أنا كنت أشاهد ماتش للاهلي .. كنت تغضب و تنهرني ثم تتركي لاشاهد المباراة
.. كانت تسألني عن النجوم و الكواكب و عن خلق الانسان و تجلس امام الشعراوي في اهتمام و تعشق برنامج
العلم والايمان لمصطفي محمود .. يا إلهي كيف مرت الأيام الخوالي بهذه السرعة .. رغم
مرور اسبوعين الا أن صراخها لم يخفت أبدا و سئالها عن كل واحد من أخوتي لم ينتهي
كانت تتمم علينا و تتأكد من التفافنا حولها .. أنا بموت خدوا بالكم من بعض جملة
تتردد علي لسانها كل لحظة .. كاد الدكتور أن يعمل لها عملية تغيير مفصل الا أنه
وجد سنها و قلبها لا يحتمل .. ضعفت أمي
جدا و بات السن عنوان عريض محفور علي وجهها الا أنها لم تذبل أبدا، دائما زهرة
يانعة .. كنت كلما خرجت من المنزل أنسي ما خرجت من أجله و أجدني عندها في المنزل
لا أفارقها و لا تفارقني وحين أغيب تتصل و تسأل .. أترك كل شيء و أذهب لها .. كانت
وطني و حلمي و غادرت بعد أن انقطع صراخها ولم أصدق قسوة الحياة وهي تنازع قبل صعود
روحها ولم نعرف ماذا نفعل و عروس السماء تغادر مرقدها و بيتها و تتركنا لوحشة
الحياة و قسوتها .. كيف تبيت في مكان آخر لا نعرف كيف نصلها فيه أو نسمع عذوبة
صوتها و نرتوي من حنانها .. رحلت وصراخها و آلامها و كلماتها معلقة في فضاء غرفتها
لا تبارح كوننا .. ننسج من ذكراها تمثال لآحن قلب و آخر وطن .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق