انتهت
مرحلتي الاستفتاء بحلوها ومرها و دفعت مصر ثمنا باهظا بدءا من نزيف الاقتصاد إلي
نزيف الدماء و انقسام الشعب علي نفسه . المميز في المرحلة الأخيرة بدأ عصر المليشيات و هو تحول خطير من المعارضة
السياسية إلي المعارضة المنفلتة التي تجيش البشر و تستخدم البلطجية و تحرق المقرات
الحزبية و تحاصر المؤسسات و تهاجم الجوامع وتقطع الطرق و تسقط ق الآخرين في
التعبير عن الرأي و تصادر عليه . نحن أمام لوحة يرسمها أبناء عصر القهر ومن ذاقوا الأمرين سويا و أزاحوا النظام يدا
بيد . لا نريد أن ندين أحد لان الكل مدان ، الكل مخطيء و أولها المعارضة التي
اعتقدت أنها قادرة علي إسقاط مرسي بانسحابها و نزع الشرعية عن الجمعية الدستورية
ففاجأ الجميع حتى المقربين بإعلان دستوري به أعلي سقف من الصلاحيات ينشغل به
الجميع ويربك المعارضة و تبدأ المحاولات لتخفيض الصلاحيات حينها يكون الدستور قد
انتهي التصويت عليه وتم تحديد موعد الاستفتاء و يصبح الأمر بين الشارع والمعارضة
لا بينه و بين المعارضة ، حينها يسقط جانب من الإعلان و يصوت الشعب و هي لعبة
عبقرية ولكن الثمن كان فادحا علي كل المستويات
الاقتصادية و الاجتماعية و الأمنية ، وستظل مصر فترة ليست بالهينة حتى
تتعافي من آثارها و يعود الوئام .
و
بالعودة لتحليل رقمي للانتخابات نجد أن مجموع
الأصوات التي قالت نعم 10,655,332 ومجموع الأصوات التي قالت لا 6,029,617 يعنى
المجموع الكلى لمن صوتوا للدستور 16,684,949 يعنى حوالي 16 مليون مواطن من أصل
خمسين مليون لهم حق التصويت يعنى نسبة التي وافقت على عملية الاستفتاء (مجموع نعم + لا)
تساوى 33% مقابل 67% من المقاطعين ومن غير المهتمين ونسبة من قالوا
"نعم" تساوى 21% من النسبة الكلية ممن لهم حق التصويت .. هذا هو واقع من
قالوا نعم للدستور هم 21% فقط من الشعب و باقي الشعب ما بين "رافض
للدستور" و "مقاطع للاستفتاء" و "غير مهتم" .
ليس
معني هذا التقليل أو التشكيك في نتيجة الانتخابات فهي انتخابات تاريخية بكل
المقاييس و مهما شابها من أخطاء فهي أفضل من انتخابات عصر مبارك التي كنا يصوت
الشعب عكس ما يريد فنجد النتيجة عكس ما
نريد !
هناك
أخطاء فادحة لمرسي منذ البداية أنه لم يشكل طاقم رئاسي يحوز ثقته ويستشيره ، و
بدلا من ذلك اختار طاقم رئاسي ووزارة لم يعتمد عليهم في أي قرار مصيري ، و كأنه
أدمن العمل السري حتى وهو رئيس !
مرسي
أنجز سياسيا وفي سبيل إحكام قبضته علي السلطة أهم انجاز وهو إسقاط الحكم العسكري
لمصر للأبد ، و هو الآن في طريقه لإكمال المشوار و بسهولة بعد الدستور لإكمال
سيطرته علي الحكم .
أما
المعارضة و هي جبهة عريضة لم تقدم شيئا لتقنع الشارع بما تفعله ، خاصة الجزء
الأبرز فيها وهو جبهة الإنقاذ التي تضم إلي جانب مناضل مثل حمدين صباحي ابرز الفلول ؛ عمرو موسي وهي جبهة ـ للأسف ـ شاب أفعالها أخطاء مثل العنترية
المبالغ فيها و إحكام الرأي و إقصاء الشعب في قراراتهم و كأنهم أوصياء عليه مما
نفر الشعب و أعطوهم درسا قاسيا في التصويت علي الدستور ، و لكن علي الجانب الآخر هناك معارضة حقيقية مثل
مصر القوية و حزب مصر و غد الثورة و الكثير من المعارضين مثل العوا و أيمن نور و
غيرهم ممن خففوا حدة الاحتقان قليلا .
تحتاج
مصر لمعارضة رشيدة تعلي قيمة الحوار لا الشجار و تقدم حلول و بدائل لا تضع عقبات و
هي معارضة موجودة بالفعل ولكن صوت جبهة الإنقاذ يطغي علي صوتهم ، وعليهم أن يسيروا
قدما في الحوار البناء لصالح شعب تعب كثيرا و أنهك و يحتاج من الجميع أن يسعي
لإسعاده .
أما
الرئيس عليه أن يسعي للحوار بجدية أكثر ، و أن يطمئن المعارضة أنه رئيس الجميع و
لم يأتي ليمثل فصيل واحد ، و عليه أن يقيل الوزارة الفاشلة و يشكل وزارة متناغمة
من حزبه حتى و إعطاءها الصلاحيات الكاملة
للعمل و الخروج بالبلاد من عثرتها ، و أن يكبح جماح مناصريه و تخفيف حدة الخطاب من
أنصاره تجاه المعارضة ، كما أتمني أن يبدأ قرارا بمنع تملك الأجانب في مصر و إسقاط
الشراكة الأوروبية والتي تسمح بتوطين الأجانب في مصر ، و الموازنة بين الأجور و
الأسعار .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق