من يقرأ تاريخ مصر بدأ من العصر المملوكي يجد دولة يحكمها اللصوص و قطاع الطرق و سفلة القوم ، وفي جانب الصورة الشعب الصامد و المغلوب علي أمره و الباكي علي حاله ، شعب جائع مريض ومنهك القوي و جاهل ، شعب احتكرت إرادته للمماليك القتلة ، شعب آثر الصبر ودفع الجزية و الفرجة علي قتال المماليك لبعضهم البعض و كل من ينتصر ينكل بالآخر و يضع رأس غريمه و ثلته في طاسات تسبق خيول المنتصرين في استعراض للقوة تعلق فيه جسد المهزوم علي الأسوار حتى تتعفن و من أجل أن يكون عبرة لغيره من المنافسين ، تخيلوا الشعب المصري وهو يري كل أفلام الرعب تلك يوميا و حصريا علي أرضه ، شعب رضع شيوخه قبل أطفاله الذل علي يد شركس و سلاجقة و أتراك و روم وفرنسيس ، شعب اتخذ سياسة ( امشي جنب الحيط ) و ( متناطحش الناس الكبارات احنا مش قدهم ) ستورا لهم ،دستور كان يمزق علي فترات متفاوتة ، وكانت انتفاضة الشعب المغلوب علي أمره ضد الفرنسيس ، وكان له ما أراد و تحرر لأول مرة من المحتل ، ولكن هيهات أن يحكم نفسه – شعب - من تجرع الذل و الهوان وفقد الثقة في ذاته ، و هنا يأتي تاجر الدخان المفلس الألباني محمد علي ليبدأ قصة السيطرة علي البلاد بفيلم رعب آخر و هو مذبحة المماليك ، ليتخلص من مناوئيه و يرسل للشعب الساذج أقوي رسالة إنكم عبيد و لن تتحرروا . تدخل مصر عصر محمد علي و أسرته الكريمة! و نظل ندعو للحاكم المنقذ وولي النعم مع تغيير بسيط في الأسماء من محمد علي لإبراهيم باشا و إسماعيل و توفيق و حسين كامل و عباس حلمي ، فؤاد انتهاء بالملك فاروق، قضي الشعب المصري هذا العصر و منطق (مات الملك عاش الملك) أسلوب حياة لا يمكن التفكير فيه ، لا تنسوا أيضا الاحتلال الانجليزي الذي دام أكثر من ثمانين عاما ، تحت مظلة أسرة تاجر الدخان الألباني ، حكام لا يعرفوا من العربية سوي اسمها و لا يعلموا شيئا عن الشعب المصري سوي أنهم عبيد لهم ، لا يشعروا بأي التزام أدبي أو معنوي ناحيته ، كان التعليم الراقي لهم والجهل لنا ، الصحة والعلاج لهم و الفقر والمرض لنا ، قسمة عادلة بكل المقاييس لم يخرجنا منها سوي نمو الوعي القومي لدي فئة من الشباب المتعلم سري فكرها في أوصال الشعب المصري ، كانت تأتي علي فترات بدأ من عرابي وحركة التحرر الأولي ، التي نشأت ليس من مبدأ الغيرة علي البلاد و لا حزنا علي الشعب المكلوم ، بل من إحساسهم بالظلم والتفرقة بينهم وبين الجنود الأتراك في المرتبات والامتيازات !! حينها فوجيء الخديوي توفيق بأن هناك شعبا أفسده التعليم حينها أغلق المدارس وواصل تحديه لثورة عرابي وبدلا من أن يأخذ عرابي موقفا جديا ويحكم البلاد و يغير مسار التاريخ اكتفي بما أخذ من وعود ومواثيق من توفيق الذي لا آمان له ، ودفع و دفعت مصر ثمنا غاليا بالاحتلال الانجليزي ، فلا هو طال عنب اليمن و لا طالت مصر بلح الشام ، هكذا افتقدنا للخيال و الطموح في حكم أنفسنا . التعليم كان نافذتنا علي أنفسنا وحضارتنا و خلق إحساس لدي كل مصري بقيمة بلده و المستهدف دائما من قبل الحكام قبل و يعد الثورة و تمجيد الحاكم فيه شيء مقدس و تجهيل الشعب أمر واجب علي كل طاغية و لم تفلح حركات التحرر السابقة في هز شجرة الطغيان في بلد يقتله الجهل ، و ثورة 25 يناير 2011 هي الثمرة الحقيقة لشباب انفتح علي العالم ، شباب هو نتاج حقيقي لزمن العولمة . هل نكتفي بما حققناه ؟ و نعود لخندق الطغيان في انتظار الرجل القوي الذي ندعو له و نتسول رضاه ، و نرجوه بزيادة في المرتب مقابل غض الطرف عن نهب البلاد و علاج صحي مقابل حكم أبدي . بالطبع صدم المجلس العسكري و مبارك وعصابته بأن الإجابة : لا .
لان التركيبة النفسية و الفكرية و الأخلاقية اختلفت لدي الشعب المصري عن ذي قبل ، فلم نعد شعبا خانعا ذليلا ندعو للحاكم ليل نهار حتى يرضي ، الشعب المصري أصبح من الصعب ترويضه ، وعلي الحاكم الحالي و القادم فهم ذلك ، وإلا زلزل الشعب الأرض من تحته ، وسحقه بأحذيته .
نشرت في :
مواجهات
رقيب نيوز
مجلة الفكر الحر
مصرس
شباب مصر
مجلة الديوان
دنيا الوطن
أخبارك
مصراوي
الفجر نيوز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق