إذا رأيت صورة ضخمة للرئيس حافظ الأسد كتب عليها : (( قل هو الله أحد الله الصمد خلق شعبا عظيما واصطفي منه الأسد )) أرجوك لا تتعجب فهكذا عبد الطغاة من قبل و هكذا يخلقون بأيدي شعوبهم ، فمن منكم قال سوريا مجردة دون أن يردفها بكلمة الأسد ، هكذا تربينا في مصر أيضا علي كلمة واحدة مصر – مبارك ، انه إعلام الطغاة الذي يجعلك تردد تلك الجمل المصطنعة دون تفكير ، فتشب علي فكرة واحدة انك و بلدك ملك الطاغية ، يفعل بك وبها ما يشاء فعليه الأمر وعلينا الطاعة ، أليست طاعة أولي الأمر واجبة !! ومع الوقت يري الطاغية الشعب من خلال عيون زبانيته شعبا يسبح بحمده ، شعبا لا قيمة له سوي التصفيق و عبادة الطاغية ، والإنسان كما يري هوبز لا هو حيوان سياسي بفطرته ، ولا هو يميل بطبعه إلي الجماعات المنظمة و لكن التربية ( التنشئة الاجتماعية هي التي تشكل شخصيته بحيث تصبح صالحة للحياة في المجتمع السياسي ) ولذلك كان التعليم أول ما يستهدفه الطغاة فيتم التلاعب بالعقول من النشأة الأولي وتدريبها علي مغالطات تاريخية تجعل تاريخ البلاد هو تاريخ الطاغية وبطولاته مختزلة في حضرته فهو أساس كل شيء وبدونه أنت ووطنك لاشيء ، ولان الأمية و الفقر و المرض قد نالا من الشعب فقد سلمنا لهم مفاتيح الجنة و عشنا في جحيم الطاعة يقول لورد أكتون ( كل سلطة مفسدة ، والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة ) نعم السلطة المطلقة تجعل الطاغية لا يري شعبه و هو آخر اهتماماته ، يعقد الاتفاقيات دون الرجوع للشعب و ينسفها أيضا بلا رقيب ، يدخل في حروب لا طائل من وراءها و يعقد اتفاقيات سلام مذلة وعليك أن تبتسم في كلا الحالتين فالزعيم شاء و حقق وعده . لا أنسي أبدا أغنية الصدمة حين جلس الطاغية مبارك يبتسم ويهز رأسه استحسانا بأغنية ( اخترناه اخترناه يوم ما عبر و عبرنا وراه ... ) متى اختار الشعب المقهور قائده ، ذلك المنتفخ تيها و الذي اختزل حرب أكتوبر في شخصه فقط هو من عبر خط بارليف بطائرته !
ثم يصدح المغني ( أول ضربة جوية فتحت باب الحرية )
تخيلوا الجيش المصري بدباباته وطائراته و مدفعيته و المشاة لم يفعلوا شيئا دون هذا الرجل الذي تفصل علينا بضربته الجوية . من السهل علي الطاغية اختزال التاريخ في ذاته ، فالمسرح مهيأ لذلك لأنك ببساطة لا تري علي مسرح الأحداث سواه ، والإعلام والتعليم يحرث العقول ويمهدها لتقبل كل أساطير الزعيم وخرافاته . هل رأيتم القذافي الذي أخذ يعدد ألقابه في جامعة الدول العربية ولم يبق سوي لقب الإله ، و أخذ مناضل البادية يطلق طوال فترات حكمه أحاديث نارية تجاه إسرائيل ، ثم يركع أمامها لإنقاذ حكمه المنتهي ، بل ويستعدي شعوب أفريقيا علي بلده ويستخدم المرتزقة لقتلهم ! فمن أجل أن يدوم عرشه يوم أو اثنتين يعادي شعبا بأكمله ، ( موقف الطاغية ، هو موقف ذلك الذي يقطع الشجرة لكي يقطف ثمر ..) كما يقول مونتسيكو ، مرورا بطاغية اليمن الكوميديان صالح الذي يتفق علي شيء أول النهار و ينقضه آخره ، ولكنني لا ألومهم فنحن من خلقناهم ونحن من سمناهم ونحن من وجب علينا التخلص منهم بأي ثمن والأهم من ذلك وضع قوانين لا تسمح بخلق الطاغية والتعامل مع الحاكم بصفته الوظيفية لا بإضفاء صفة الإلوهية علي الأراجوزات ، و اختيار الأصلح
( لايصلح الناس فوضي لا سراة لهم و لا سراة اذا جهالهم سادوا )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق