يعتبر إقليم الأحواز من أهم الأقاليم داخل إيران فهو غني بالنفط والغاز وتمتاز أرضه بالخصوبة الزراعية بالإضافة إلى الموقع الإستراتيجي حيث إن إقليم الأحواز يقع إلى الجنوب الشرقي من العراق ويتصل معه اتصالاً طبيعياً عبر السهول الرسوبية وشط العرب بينما يفصله عن إيران حاجز طبيعي متمثلاً بسلسلة جبال زاجروس.
خلفية تاريخية
ويقع اقليم الاحواز على شط العرب وقد احتله الفرس في العشرين من ابريل من عام 1925م في عهد الشاه ، بعد أن تم استدراج الشيخ خزعل الكعبي أمير الأحواز إلى فخ نصبه له قائد الجيش الإيراني الجنرال زاهدي من أجل إجراء مباحثات سياسية إلا أن الجنرال زاهدي قام باعتقال الشيخ خزعل واودع السجن في طهران مع مجموعة من مرافقيه حتى عام 1936 وتقول روايات متواترة: إن السم دس له بالطعام فمات مسموماً.
تبلغ مساحة إقليم الأحواز 185000 كم مربع ويبلغ عدد سكانها حوالي السبعة ملايين نسمة غالبيتهم من العرب رغم محاولة التفريس التي قامت بها الحكومات الإيرانية المتعاقبة.
قبائل عربية
وقد سكن الأحواز عبر التاريخ الأنباط والتدمريون وهي أقوام تنحدر من أصل عربي ، ومن القبائل العربية التي سكنت الأحواز قبيلة ربيعة العربية و بنو كعب وبنو عامر وبنو طرف وبكر وتميم وحرب ومطير والدواسر وشمر وعنزة و ظفير وسبيع وعتيبة وقبائل أخرى كثيرة وكلها قبائل عربية لها امتدادها بالجزيرة العربية ولها أمراء وشيوخ يحكمونها .
ويعود تاريخ الأحواز إلى سبعة آلاف عام قامت على أرضه الحضارة العيلامية وهي على غرار الحضارات البابلية والآشورية والسومرية في بلاد ما بين النهرين ولا تزال أوابد هذه الحضارة شاخصة إلى يومنا هذا رغم المحاولات المتعددة لطمس تاريخ الأحواز وخاصة ذلك التاريخ المتجانس مع حضارات العراق المتتابعة وهو تاريخ مختلف كل الاختلاف عن حضارة بلاد الفرس مما يبين بوضوح الانفصال الكامل بين الأحواز وبلاد فارس.
الدور البريطاني
ويقول مؤرخون لتاريخ المنطقة: ان البريطانيين مع الإيرانيين من أجل احتلال الأحواز وتم لهم ذلك بعد أن شعرت بريطانيا أن الشيخ خزعل بات يشكل خطراً على مصالحهم في مياه الخليج فأرادت أن تستبدله ببديل آخر يكن لها الولاء ، إلا إن حساباتهم كانت في غير محلها حيث اعترفت بريطانيا فيما بعد أن أكبر خطأ اقترفته في تاريخها بالخليج العربي هو أنها تعاونت ضد الشيخ خزعل وأسقطت إمارته وسلمتها لشاه إيران رضا بهلوي.
مقاومة لم تنجح
ويعتقد كثيرون أن إقليم الأحواز بعد أن سقط بيد الإيرانيين لم يبد سكانه أي مقاومة إلا أن الحقيقة كانت غير ذلك فقد قامت الثورات في مواجهة المحتل الإيراني الذي مارس سياسة الأرض المحروقة التي كان يتبعها الاستعمار في ذلك الوقت، فقاموا بتدمير القرى والمدن العربية وتم إعدام الشباب الأحوازي دون أي محاكمة أو فرصة للدفاع عن أنفسهم من أجل إرهاب باقي الأهالي . وحتى الآثار لم تسلم من التدمير والتخريب من أجل طمس هوية الأحواز العربية وإنهاء ارتباطها التاريخي بعروبتها وربطها بالتاريخ الفارسي ، فعمدت إلى تزوير التاريخ والادعاء بحقها بالأحواز التي غيرت اسمها إلى الأهواز كما قامت بتغيير أسماء المدن العربية إلى أسماء فارسية فالمحمرة العاصمة التاريخية للأحواز سموها خرمشهر وعبادان إلى آبادان والحوزة إلى الهويزة حتى الأحواز تم تسميتها بخوزستان ، كل ذلك ضمن سياسة التفريس المتبعة .
تغيير الأسماء العربية
ولم تسلم الأسماء الشخصية من التفريس فكل الأسماء العربية تم تحويلها إلى أسماء فارسية ولم يعد من حق أي أسرة أن تسمي أولادها إلا بأسماء فارسية ، ومن يرفض ذلك لا يتم إصدار أي إثبات له ولا يتم الاعتراف به.
ولم تكتف الحكومات الإيرانية بذلك بل سعت لعملية التهجير للقبائل العربية المقيمة في الأحواز إلى مناطق الشمال الإيراني واستجلاب سكان هذه المناطق إلى الأحواز وإسكانهم فيها كما مارست سياسة التجويع للشباب الأحوازي نتيجة انعدام فرص العمل ومن أجل إجباره على الهجرة نحو الداخل الإيراني وبالتالي يتم إبعادهم عن وطنهم وأهلهم وانتماؤهم ولصقهم بمناطق جديدة بعادات وأعراف أخرى ،أو الهجرة خارج الإقليم وفقدهم لهويتهم العربية من خلال ارتباطهم بمعيشتهم وهمومهم الخاصة.
منع إصدار الصحف
ليس هذا فقط بل التعليم أيضاً لم يسلم من سياسة التفريس فاللغة الفارسية هي اللغة المعتمدة بالتعليم و هي اللغة الرسمية الوحيدة في إيران ومنعوا إصدار صحف أو مجلات أو مطبوعات عربية خشية من أن تتفتح عقليات الشباب أو يوصلوا أصواتهم إلى خارج نطاق الحدود التي رسمتها لهم الحكومات الإيرانية طوال سنوات الاحتلال التي مضى عليها أكثر من ثمانين عاما.
ومن الأحواز ايضا حولت مجاري الأنهار نحو الداخل الإيراني وحرمت الأراضي الأحوازية منها مما جعل الزراعة الأحوازية في تراجع كبير وهي من النشاطات السكانية الأساسية فيها حيث أنهم قاموا بعدة عمليات أثرت بشكل مباشر على مدخول الأحوازيين منها زراعة قصب السكر في الأراضي الزراعية لحساب الحكومة وبشكل إجباري وريه بمياه نهر كارون وفتح مجرى له تعود إليه المياه المالحة ليصبح ماء النهر مالحاً متأثراً بملوحة الأرض، بالإضافة إلى مد قناة مائية من نهر كارون أيضاً إلى قرية "رفسنجان" الفارسية "مسقط رأس الرئيس الإيراني السابق رفسنجاني" التي تشتهر بزراعة الفستق من أجل ري الأراضي التي تعود ملكية أغلبها إلى "الرئيس السابق رفسنجاني" وبالتالي يتأثر من هذه العملية المزارعون والصيادون الذين يعتمدون على نهر كارون بمصدر رزق لهم ، كما تقوم السلطات الإيرانية باستخراج البترول الأحوازي وتصديره والاستفادة من عائداته دون أن يكون للأحوازيين أي منفعة منه .
15 انتفاضة وثورة أحوازية ... منذ الاحتلال الإيراني لها
1ـ بدأت مقاومة الأحواز بعد مرور ثلاثة أشهر فقط على احتلال الأحواز الذي تم بتاريخ 20 نيسان ابريل في العام 1925 حيث وقف بوجه سياسة التفريس جنود الشيخ خزعل وحرسه الخاص، وقاموا بثورة سميت باِسم "ثورة الغلمان" في 22 يوليو 1925 بقيادة الشهيدين (شلش،وسلطان)، وكانت رداً منهم لأسر شيخهم وإمارتهم العربية،وفي هذه الثورة هرب أفراد من الجيش الإيراني الى الكويت وسيطر الثوار على مدينة المحمرة لعدة أيام. ثم قصفتهم مدفعية الجيش الإيراني بلا رحمة بعد أن دمروا الحامية الفارسية في المدينة.
وعلى أثر فشل هذه المقاومة الأحوازية واِنتفاضتها الباسلة ضد الاِحتلال خيّم إرهاب شديد على الأحواز، وبطبيعة الحال أن الفرق النوعي بين صفة المقاومة والإرهاب يكمن في طبيعة العنف : عنف مَنْ يدافع عن وطنه والعنف المدافع عن الغزو الهمجي البشع والجرائم التي يقوم بها المحتل ضد البشر،ولكن السلطات الفارسية قضت على هذه الثورة بقسوة متناهـية وبكل شدة ، وحاكمت عدداً كبيراً منهم،وأعـدمت العشرات دون محاكمة. وفي العام نفسه،تجمع الثوار الأحوازيين في جزيرة "شلحة" في "شط العرب" بهدف الهجوم على الأحواز واستعادتها،إلا انه بطلب الحاكم العسكري الإيراني في الأحواز،هاجمت القوات البريطانية هذا التجمّع فقضت عليه.
أما السنوات العشرة التي تلت هذه الثورة (1929-1939)، عمل فيها الأحوازيين على تشكيل جمعيّة في العراق تزعمها الشيخ "هادي كاشف الغطاء"، ساهمت في دعم النضال الأحوازي فقدمت مذكرة إلى "عـُصبة الأمم" مطالبة فيها إجراء استفتاء لمعرفة ما إذا كان شعب الأحواز يرضى البقاء تحت الاحتلال الإيراني أم انه يريد الاستقلال.
2ـ وقاد بعدها الشيخ عبد المحسن الخاقاني : الشخصية الأحوازية المرموقة والمحترمة من قبل كل الشعب الأحوازي العربي مع بعض رفاقه وأنصاره انتفاضة شعبية مسلحة أخرى في المحمرة وتوسعت لتشمل مدن الأحواز الأخرى مطالبين بارجاع الشيخ الأمير خزعل الذي اُقتيد إلى السجن في طهران أثر مؤامرة فارسية / بريطانية دنيئة،مثلما أرسلوا برقيات إلى مختلف الجهات العربية التي صمتت إزاء نداء الاستغاثة وأغـمضت عـيونها عن نزيف الدم العربي الجاري في الأحواز (عربستان)،وقد نشرتها الصحف العراقية في حينها .
أما الشعب الأحوازي العربي نفسه فقد انتفض عدة مرات ولكنها اِتسمت بالتـفرق التـباعد وذلك لأسباب عديدة يأتي في مقدمتها الاِحتلال الغاشم والسياسة العنصرية وتركز فعلها ضد الاِحتلال الفارسي ومن بينها الاِنتفاضات الرئيسة التالية والهامة :
3ـ الثورة المعروفة ونوعية باِسم ثورة الحويزة وذلك في عام 1928 : بقيادة الشهيد البارز محي الدين الزئبق رئيس عشائر الشرفة،والذي شكل حكومة دامت ستة أشهر،ولاحظ المتتبعون لوقائع الثورة تلك مشاركة نساء الأحواز في هذه الثورة ، وحاصر الجيش الإيراني مدينة الحويزة ومنع وصول المؤن إليها ثم هاجمها بكل صنوف الأسلحة الفتاكة وبكل وحشية ،فقمع واخمد تلك الثورة وانزل الويل والإرهاب بأهلها .
4ـ اِنتفاضة بني طرف (الأولى) عام 1936 : أعلنت قـبائل بني طرف (طي) رفضها العنيف للاِحتلال الفارسي،ورأى المتسلط على الحكم ، عبد البريطانيين،رضا شاه في هذه الاِنتفاضة الواسعة تمرداً على سلطته الاِحتلالية فشن هجوماً عسكريا وحشياً وإرهابياً بهدف إنجاز خطوة سياسية اِعتقد أنه يستطيع تحقيق تصفية دموية شاملة للروح العربية في الأحواز،فسير جيشه الكبير إلى مدينة الخفاجية وأطرافها وقضى على تلك الحركة المسلحة الشعبية الرافضة للاحتلال الفارسي مستخدماً وسائل العنف الشديدة والقسوة المتناهية التي أسهبت شهادات الأحياء والكتب في وصف حوادثها المفجعة،ومن أجل إرهاب كل الوطنيين الأحوازيين تم أسر العديد من الرموز الوطنية وأعدم منهم ستة عشر رمزاً وطنياً ورئيسا من رؤساء القبائل وأمر بدفـنهم وهم أحياء وأمام العديد من المراقبين،محاولاً زرع الذعر ونشر الخوف في صفوف الأحوازيين من خلال جعل تصرفه الأحمق والغاشم والإرهابي ذاك بمثابة ((درس وعـبرة)) أمام كل من يعارض الاِحتلال الفارسي ونظامه العميل والفاسد والغاشم .
5ـ الاِنتفاضة الشعبية الواسعة التي شكلت عشيرة كعب الدبيس طليعتها وذلك في العام 1940 : قامت هذه العشيرة العربية باِنتفاضتها الشعبية المسلحة والواسعة بقيادة زعـيمها الشيخ حيدر الكعبي،وذلك في منطقة الميناو على نهر دبيس، وتمكنت من إزالة الحاميات الفارسية والسيطرة على ثكناتها في المنطقة،ولم تتمكن السلطات الفارسية من القضاء عليها إلا بعد الهجوم العسكري البشع والهمجي واِعتقال الشيخ حيدر الكعبي ورفاقه وهم : مهدي بن علي،داود الحمود،بريج شيخ خزرج،وكوكز بن حمود من بني ساله،وأعـدمتهم جميعا بكل خسة وصلف ونذالة في قلعة - سهر الشهداء ،رافضة التفكير بالأسباب التي دفعت المواطنين الأحوازيين للاِنتفاض على المحتلين التي أهدرت كرامتهم الوطنية والشخصية.
6 ـ اِنتفاضة الغجرية عام 1943 : تزعم هذه الثورة الشيخ جاسب بن الشيخ الشهيد خزعل الكعبي الذي أعلنها ضد الفرس حين دخل الإمارة وتحريضه بعض القبائل العربية والاِتفاق مع بعض رؤساء العشائر الاحوازية على إعلان الاِنتفاضة، رغم أن بعض أولئك الرؤساء لم يفوا بوعـدهم في المشاركة،وقـد تمكن المنتفضون من قـتل العـديد من الجنود والضباط الفرس،وتمكنوا من إسقاط إحدى الطائرات الفارسية الحـربية التي قصفت عشرات القرى والأحيات ودمرت مئات المنازل .
7ـ حركة الشيخ عبدالله بن الشيخ الشهيد خزعل الكعبي عام 1944 : اتفق الشيخ عبدالله مع العشائر العربية على القيام باِنتفاضة مسلحة،ولكن لم يكتب لهذه الاِنتفاضة التحرك أو النجاح لأسباب عديدة يأتي في مقدمتها عدم الوعي بشروط الانتفاض واِندساس الخونة والعملاء في ترتيبات العمل من أجلها .
8ـ اِنتفاضة بني طرف (الثانية) عام 1945 : امتدت شراراة هذه الاِنتفاضة إلى القبائل العربية،ولاسيما بنو سالة وبنو لام والشرفة والمحيسن منهم،وسيطرت العشائر الثائرة على جميع القرى والمخافر والمدن المنتشرة في مناطقها،ودامت هذه الاِنتفاضة بضعة أشهر،فسيرت لها الحكومة الفارسية جيشا كبيراً حشدته باِستجلابه من مختلف الثكنات العسكرية،وقد واجه الجيش الفارسي المحتل مقاومة شديدة وكبيرة عند اجتيازه المناطق الأحوازية الواقعة تحت سيطرة المنتفضين نظراً للتحصينات المحكمة التي أقامها المنتفضون وطبيعة الأرض التي تكثر فيها الأنهار والمستنقعات وبساتين النخيل،مما تعذر على الجيش الفارسي أن يحرك آلياته وينقل أسلحته الثقيلة ويرسل قواته المدججة بالة الإرهاب والقتل الجماعي،فأرسلت الحكومة الفارسية طائرات مقاتلة قامت بقصف القرى وتجمعات العشائر وبحرق البيوت وإبادة المزارع وحرق المزروعات وقتل أبناء الشعب الأحوازي عشوائياً ـ حيث ذكر بعض تفاصيلها الكاتب العربي المعروف الدكتور علي الوردي ـ فكانت مجزرة إرهابية شنيعة وهمجية ورهيبة راح ضحيتها آلاف الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ والرجال المنتفضين، وكان التكافؤ في القوة العسكرية بين الطرفين معدوما تقريباً إلا من الإرادة الوطنية الصلبة للمنتفضين. وعـند تغلب القوات النظامية وسلاح الجو الفارسي على المنتفضين من أبناء شعبنا العربي الصامد في الأحواز،قامت السلطة العنصرية الفارسية بترحيل مئات المنتفضين الذين تراوح عددهم حوالي (1500) مواطناً أحوازياً إلى شمال فارس،مشياً على الأقدام تحت تهديد السلاح وإعدام العشرات،وقد اِجتاز العدو الفارسي بكل الأسرى والمعتقلين أولئك الجبال الوعرة والوديان العميقة، فمات أكثرهم في الطريق بسبب الإعدام والجوع والإنهاك والتعب والبرد،ولم يصل منهم إلى طهران سوى حوالي الأربعين مواطناً أحوازياً وزعـتهم السلطات الإيرانية على القرى النائية ، وكان جريمة وعنصرية وعملاً إرهابياً فارسياً ما تزال الأجيال الأحوازية تتحدث عنه .
9ـ الاِنتفاضة الشعبية التي قادها الشيخ مذخور الكعبي عام 1946 : لقد اِنتفض الشيخ مذخور الكعبي وأنصاره ورفاقه خلال العام 1946 على اثر المجزرة الرهيبة التي ارتكبها الفرس والتي ذهب ضحيتها مئات من المواطنين العرب الأبرياء والذي كان بينهم إحدى الشخصيات السياسية المعروفة آنذاك وهو زعيم حزب السعادة الشهيد حداد الذي تمكنت القوات الفارسية من اِعتقاله وإنزال الأحكام الفاشية الجائرة بحقة وحق عائلته ، إذ أحرقه نظام الفرس بمعية زوجته وأطفاله بالتعاون والتواطؤ المعلن والمعروف بين النظام الفاشي الشاهنشاهي وبين الحزب الشيوعي الإيراني الذي كان يعرف بحزب توده المجرم ، فكان لهذه الحادثة الإجرامية التي تتناقض مع أي خـُلق إنساني أو إسلامي صدى واسعاً في الأحواز كونه يشكل دلالة على السلوك الفارسي ضد العرب وتصرفاً همجياً مستمد من التقاليد الهتلرية النازية والعنصرية الآرية ، وإزاء هذه المجزرة الإرهابية البشعة اِنتفض الشيخ مذخور الكعبي لكرامة الشعب الأحوازي وضد الجور الفارسي المحتل وبغية تحقيق بعض التطلعات الأحوازية وذلك في منطقة عبادان ، فقامت مجاميع هذا الشيخ الجليل بمهاجمة رموز القمع وعناوين الإذلال المتمركزة في الحامية الفارسية ، وقامت قوات النظام الفارسي بقمع هذه الاِنتفاضة بروح وحشية يندى لها الجبين الإنساني في أربع رياح الأرض إذ كان طابعها العام قمعاً عـنيفاً وشاملاً تخلله اِرتكاب القوات الفارسية وبأوامر من الشاة عشرات المجازر الأخرى بصورة أبشع من مجازر شهر آب في العام 1946 .
10ـ اِنتفاضة شعبية لعشيرة النصار في العام 1946 : وشهد الشعب العربي الأحوازي تحركاً شعبياً على خلفية الرفض التام للاِحتلال ولجرائم عتاته المجرمين وسلوك قواته الغاشمة مما دفع عشيرة آل نصار للاِنتفاض على الواقع البائس بشكلٍ واسع، والتي كانت تستهدف التخلص من الاحتلال الفارسي ، وقد استطاعت القوات الفارسية ، وبدعم عسكري بريطاني ، في إفشال هذه الاِنتفاضة من التمدد إلى كل المناطق الأحوازية بمسارعتها في تشديد وتيرة القمع والاِضطهاد وتنفيذ إجراءات الإعدام الميدانية السريعة.
11ـ واِنتفاضة مسلحة أخرى بقيادة الشيخ يونس العاصي عام 1949 : لقد اِنفضت جموع أحوازية كثيرة في منطقة البسيتين والخفاجية وذلك تحت قيادة الشيخ يونس العاصي التي اِستطاع خلالها بالاِستقلال عن السيطرة العسكرية الفارسية مثلما تمكن من جباية الضرائب باسمه، إذ كان يسعى إلى تكوين مملكة تسمى - مملكة عرب الشرق - لكن الحكومة الفارسية أجهضت هذه الاِنتفاضة وشنت حملة قمع عنيفة وتنفيذ أحكام الإعدام الإجرامية بشكل واسع وبشع،وهو الأمر الذي دعا الشيخ يونس العاصي للاِنسحاب إلى العراق بسبب بطش القوات الفارسية المجرمة التي كانت تطارده.
12ـ وكانت الاِنتفاضة المسلحة بقياد الشهيد محي الدين آل ناصر والشهيد عيسى المذخور والشهيد دهراب الناصري التي اعتبرت الباكورة الناضجة والولادة الطبيعية النوعية لحركة الثورة الناضجة ، التي اِتسمت بالوعي السياسي الشامل للقضية الوطنية الأحوازية كونها تمثل قضية شعب وثورة،وتحت تأثير المد الوحدوي القومي العربي في كل من "مصر" و"سوريا" وعموم الساحات العربية في عام 1956 تأسس في الأحواز تنظيم سياسي أطلق عليه "اللجنة القوميّة العـُليا لتحرير عربستان" أي بُعيد حرب قناة السويس وتأميمها والعدوان الغربي الذي شنّ على مصر،وهو ما بلور التيار القومي العربي الحديث على حساب التيار القومي العربي التقليدي الذي انبثق بعد الحرب العالمية الاولى، تأسّس في الأحواز تنظيم سياسي ناصري التوجه،أطلق عليه "جبهة تحرير عربستان". لقد انبثق هذا التنظيم القومي العربي نتيجة جهود فكرية وسياسية اخذ بعض النشطاء من ابناء شعبنا الأحوازي على بثها بين صفوف الجماهير الأحوازية وتكلل هذا الجهد بمظاهرة حاشدة سيرتها الجماهير العربية الأحوازية تؤيد الشعب المصري الشقيق أثناء العدوان الثلاثي على "بور سعيد".
واستطاعت المخابرات الإيرانية عبر التنسيق التام الذي كان بينها وبين الكيان الصهيوني وجهازه الأمني السيئ الصيت، الموساد، النيل من زعماء الثورة وهم كل من الشهيد محيي الدين آل ناصر والشهيد عيسى المذخور والشهيد دهرب آل ناصر وقد تمّ اعتقالهم في العام 1963م اثر النشاط القومي العربي الواسع الذي كان من أهم وابرز عناوينه لقاءهم بالقائد الفقيد جمال عبدالناصر الأمر الذي استفز ساواك الشاه الذي اكتشف تسرّب الأسلحة والمساعدات المادية إلى أبطال ذلك التنظيم،وكان مصدره حسب معلومات الأجهزة الساواكية، مصر عبدالناصر، فتم اعتقالهم بمعية المئات من الوطنين والقوميين الاحوازيين فيما وجهت أحكام الإعدام إلى رموز هذا التنظيم الذي ذكرنا أسماءهم أعلاه، مما أدى إلى إعدامهم رمياً بالرصاص في 13/6/1964م،إلا أن بقية أعضاء القيادة وصلوا للعراق واستمرّ نضالهم.
إن الشهداء الأحوازيين القياديين الثلاث : محي الدين آل ناصر وعيسى المذخور ودهراب آل ناصر قد رفضوا بحزم وقوة عزم لا محدود تكللها روح مبدئية عالية وهمة سياسية مقرونة بصعود قومي عربي في مقارعة الاِحتلال والاِغتصاب رفض التنازل السياسي عن مفاهيم التحرير والثورة والتصدي الشامل للعدو ، بأي شكلٍ كان، وهي علاوة على ذلك اِستمدت رؤيتها السياسية من ثورة الجزائر التحررية المسلحة، وثورة 23 يوليو المصرية التي أممت القناة وكانت المحفز للتغييرات السياسية العميقة في مختلف بقاع الوطن العربي،التي من بينها إيصال السلاح إلى المناطق الأحوازية .
13ـ عام 1979 انتفض الشعب العربي الأحوازي فثار بوجه نظام الشاه، ومن خلال سيطرته على آبار النفط المنتشرة في الإقليم وكذلك المنشأة الاقتصادية الكبرى في الأحواز، تمكـّن الشعب العربي الأحوازي من شلّ العجلة الاقتصادية الإيرانية، الأمر الذي أدّى بدوره إلى التعجيل في إسقاط نظام الشاه. وبعد الإطاحة بنظام حكم البهلويين عام 1979،استغل الشعب العربي الأحوازي فرصة سقوط نظام الشاه في إيران،فانطلق بتأسيس مؤسسات المجتمع المدني الضرورية وعلى وجه الخصوص إنشاء العديد من المراكز الثقافية في مختلف المدن الأحوازية،إلا أن ردّة فعل النظام الإيراني الجديد بقيادة المقبور الخميني قد اتسمت بمداهمة جميع هذه المراكز وقتل المتواجدين فيها أو اعتقالهم، كما ارتكب الجنرال "احمد مدني" – الذي كان وزيرا للدفاع وقال عنه الخميني: بأنه عيني اليمنى - مجزرة دموية بمدينة المحمّرة وعبادان راح ضحيّـتها أكثر من 500 شهيد وأضعافهم من الجرحى والمعتقلين.
14ـ فجّرت الجماهير الأحوازية انتفاضة عارمة استمرت 3 ايام عام 1985، قوبلت بالقمع والاستخدام المفرط للقوّة من قبل نظام حكم الخميني.
15ـ ولعلّ أهم وابرز المنعطفات التي شهدتها الأحواز تتمثل في "انتفاضة نيسان الأحوازية" التي فجّرتها الجماهير الأحوازية بتاريخ:15/04/2005، جاءت كنتيجة طبيعية لثمانية عقود من الاحتلال الإيراني للأحواز وما رافقه من أعمال سلب ونهب واضطهاد وقتل وتشريد ومجازر وأعمال تطهير عرقي وإبادة جماعية ارتكبتها الأنظمة المتعاقبة في سدة الحكم،وخصوصا نظام الملالي العنصري والطائفي منذ حكمهم لإيران في العام 1979،ضد الشعب العربي الأحوازي.
وكان للوثيقة الإيرانية المشئومة دوراً كبيراً ساهم في اندلاع شرارة "انتفاضة نيسان"، وصدرت الوثيقة عن مكتب رئيس الجمهوريّـة الإيرانيّـة "محمّد خاتمي"، وتنصّ على ضرورة تهجير ثلثي سكان الأحواز وتوزيعهم على مختلف المناطق الإيرانية بغية تفريسهم، وإحلال أعداد مماثلة أو أكبر محلهم في الإقليم لتفريس ما تبقى منهم.
وإضافة إلى البعد العسكري،أخذت المقاومة الوطنية الأحوازية بعداً سياسياً تمثل في رفع المذكرات إلى الأطراف العربيّة والدوليّة، وكذلك تأسيس الجمعيات والجبهات واللجان والأحزاب ومختلف التنظيمات، مؤكدين على ضرورة استعادة السيادة والاستقلال للأحـواز، وشهدت القضية الأحوازيّة منعطفات عدّة، سنبيّـن أهمّها على النحو التالي:
- تقدّمت عشائر الأحواز في 07/02/1946 بمذكرة طلبت فيها عرض القضيّة الأحوازية على مجلس جامعة الدول العربية،تلتها شكوى أخرى بتاريخ 22/08/1946، تؤكد ما ورد في الشكوى الأولى،وتـتمسّك بالمطالب الأحوازية في التخلـّص من الاحتلال الأجنبي الإيراني.
- في نفس العام،أسس الشباب العربي في الأحواز جمعيّة باسم "جمعيّة الدفاع عن الأحواز"، هدفها استصراخ العالم ولفت انتباهه إلى أوضاعهم البائسة، وفي نفس العام أيضا،أسس "حزب السعادة" بمدينة "المحمّرة" يهدف إلى الاستقلال الكامل للأحواز والتخلـّص من الاحتلال.
- في عام 1968، أعيد طرح القضيّة الأحوازية على جامعة الدول العربية، إلا أن النتائج كانت سلبية بسبب انقسام الأشقاء العرب بين حليف لنظام حكم الملك "محمد رضا بهلوي" وخصم له. وتأسست "الجبهة الشعبية لتحرير الأحواز" في عام 1971، وقامت الجبهة بأكثر من مائة عملية عسكرية ضد الدولة الإيرانية، وقدمت 28 شهيداً، أعدم النظام الإيراني 7 منهم رمياً بالرصاص.
- ومنذ عام 1969 وحتى اتفاقية الجزائر بين الدولتين الإيرانية والعراقية عام 1975 الموقــّعة من قبل كل من الملك الإيراني "محمّد رضا بهلوي" من جهة، و"صدام حسين" نائب الرئيس العراقي "أحمد حسن البكر" من جهة أخرى، لم يتوقف العمل النضالي الثوري الأحوازي، إلا أن اتفاقية الجزائر قد انعكست سلبا على النشاط الثوري الأحوازي، فأدت إلى شبه تجميده في بعض الحالات.
وقد أسهمت القوى الوطنية في عربستان مع سائر الشعوب القومية من غير القومية الفارسية التي كانت تسيطر على إيران في ظل نزعتها العنصرية الآرية بالمشاركة في الانتفاضات الشعبية العديدة والتي تكللت في الإطاحة بحكم شاه إيران. كما طالبت تلك القوى النظام السياسي الجديد بقيادة ما يسمى ((آية الله الخميني)) بالاعتراف بالحقوق القومية للعرب، وكذلك حق تقرير المصير، وكان رد القوات الإيرانية بالقمع الإجرامي ضد الشعب العربي الأحوازي مما أدى إلى سقوط أكثر من 500 شهيد في ساحات الاِحتجاج السلمي والكفاح الوطني العادل من أجل مطالب وطنية أحوازية وسياسية وجيهة ، ووقوع آلاف المحتجين في قبضة الاِعتقالات الفارسية التي واجهت حملات إعدام العشرات منهم مما فتح آفاقاً للكفاح الوطني العادل.
موقع : الجبهة الديمقراطية الاحوازية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق